المفاوضات التجارية الدولية
يختلف مفهوم المفاوضات في عقود التجارة الدولية عما هو عليه في القواعد العامة لأحكام القانون المدني ، حيث يمتاز التفاوض التجاري الدولي بطبيعة خاصة يجعل من هذه المرحلة عن ميدان للتصرفات التي لا نجدها في المفاوضات العادية بين الأفراد و هذا ما يدفعنا أولا للتعريف بالمفاوضات التجارية الدولية ثم التعريف بالمفاوضات التجارية ضمن القواعد العامة أما ثانيا فنوضح الفرق بين المفاوضات التجارية الدولية و المفاوضات ضمن القواعد العامة .
أولا :تعريف المفاوضات التجارية الدولية :
تقوم المفاوضات على إفتراض أساسي وهو المناقشة المشتركة بين طرفين يهدفان الى ابرام عقد في المستقبل ، بحيث يتطلع كل منهما الى الاتفاق مع الطرف الاخر حول عناصر العقد المزمع عقده، وفي هذا الاطار يقصد بالمفاوضات العقدية" كل ما يصدر عن أحد الطرفين متصلا بعلم الطرف الاخر ، ويكون متعلقا بتكوين تصرف مشترك لعقد يسعيان إلى إبرامه "،[1]وعلى هذا النحو يتسع مفهوم المفاوضات ليشمل كل الاتصالات و الحوارات و المستندات و الخطابات المتبادلة في المرحلة قبل التعاقدية ، ويشمل أيضا كل المقترحات الاولية التي يبديها أحد الطرفين كإعلان الرغبة في التعاقد ، و لو لم يصل إلى حد الايجاب الكامل.[2]
أ/التفاوض في إطار العقود التجارية الدولية :
إن المفاوضات في اطار العقود الداخلية التي تحكمها القواعد العامة فهي لا تخرج عن نطاق التعاقد البسيط بين الافراد في حياتهم اليومية و التي تطغى عليه صفة المساومات اليومية بين المشتري والبائع . في حين إن التفاوض في العقود الدولية يختلف عما هو عليه الحال في العقود الداخلية ، فهي تمر بمراحل متعاقبة ومهمة يتم من خلالها مناقشة الجوانب الفنية و المالية و يقوم الأطراف بتنظيم هذه المسائل بتوقيع الكثير من الإتفاقيات خلال مرحلة المفاوضات بهدف تنظيم عملية التعاقد ذاتها و عادة ما يبرم المتعاقدين عقدا لإلزام أنفسهم بالتفاوض ويسمى عقد التفاوض كمرحلة مهمة وحاسمة نظرا لطبيعة العقود التجارية الدولية التي لا تبرم عادة بإيجاب وقبول فوريين.
التفاوض عملية رئيسية تحدد اتجاه الإرادات لإحداث الأثر القانوني فهو وسيلة لتحقيق التوافق الإرادي ، والغرض منه توضيح الأعمال محل التعاقد و لإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم، وهذا لا يعني الوصول لإبرام الإتفاق، وإنما هي تعبر عن رغبة الطرفين و جديتهما في السعي نحو ابرام العقد النهائي .
ب/ أهمية التفاوض و الإلتزامات الواجبة :نتعرف على كل من أهمية التفاوض و كذا الالتزامات الواجبة الاحترام اثناء هذه المرحلة.
: 1-أهمية التفاوض
هي مرحلة التحضير من خلال الحوار والمناقشة لأجل بحث كل الجوانب القانونية، والفنية للعقد المزمع إبرامه، وتحديد مضمون التعاقد والاعداد له، إضافة لدراسة الشق الخاص بالقانون الواجب التطبيق و الضمانات المقدمة وكذا التأكد من دراسة كل عناصر العقد.فمرحلة التفاوض تعد عمللية معقدة و مليئة بالمخاطر بالنظر الى أهمية الصفقة التي يرد العقد عليها ، و لذا يحرص الاطراف على التحضير الجيد و الاستعداد قبل الدخول في التفاوض[3].
تتجلى أهمية المفاوضات في كونها المرحلة التي يتم الرجوع إليها في تفسير العقد والوقوف على مقاصد الأطراف في حالة وجود غموض في بنود العقد ، وهذا ما أشارت له إتفاقية فيينا لسنة 1980 الخاصة بالبيع الدولي للبضائع المؤرخة في 10افريل 1980حيث نصت المادة الثامنة في فقرتها الثالثة على إمكانية الإستناد على المباحثات عند تحديد مقاصد الاطراف »(9
هذا وتكمن أهمية المفاوضات في كونها اللبنة الأولى التي سيؤسس عليها العقد فهي السبيل للوصول الى عقد سليم.
2-الإلتزامات الواجبة في مرحلة التفاوض: هناك مجموعة من الالتزامات تقع على عاتق الأطراف و يمكن :
الإلتزام بالدخول في التفاوض : و مفاده إذا إتفق الطرفان على الدخول في مفاوضات بمقتضى عقد مبدئي الهدف منه التوصل إلى إبرام عقد نهائي فعلى كل منهما إلتزام و عدم الإمتناع عن الدخول في مفاوضات ، فكل من الطرفان ملزمات بتحقيق نتيجة وهي الدخول في مفاوضات ، و كل منهما ملزم ببذل العناية المطلوبة لأجل إستمرار هذه المفاوضات..
الإلتزام بالإعلام :ومعناه عدم إخفاء المعلومات عن الطرف الاخر و التي لها علاقة بمحل المفاوضات ، إذ من واجب الطرف المعني إعطاء الطرف الاخر كل البيانات الجوهرية و غير الجوهرية و التي تؤثر على عملية التعاقد
حسن النية في التفاوض :يفترض في الأطراف المتفاوضة حسن النية و لذا على كل منهما تجنب ما قد يسبب للطرف الاخر ضررا و يدخل في هذا المجال واجب الإلتزام بالسرية وعدم الإفشاء بالمعلومات التي من شأنها إلحاق ضرر بالطرف الاخر.
فالمشرع لم ينظم التفاوض في العقد بوجه عام حيث لا يوجد نصوص قانونية تتضمن الالتزامات التي تقع على المتفاوضين في هذه المرحلة إلا أن الفقه والقضاء إستقرا على وجوب إجراء التفاوض بحسن نية و الابتعاد عن كل الافعال التي من شأنها التحايل و الاضرار بالغير و توفير قدر من النزاهة و الثقة بين الاطراف[4].
هذا وتعد كل من الجدية و الإعتدال في الأطراف المتفاوضة من المبادئ الواجب إحترامها، والتي يثبتها التعاون بين الاطراف في تبادل المعلومات، والسعي للوصول إلى نتائج من خلال التفاوض.
3/عناصر التفاوض: للتفاوض ثلاثة عناصر أساسية و جوهرية تتحكم في العملية التفاوضية و هي
-صياغة و تقييم مصالح و أهداف الطرفين.
-محاولة التأثير على إدراك الطرف الآخر للمصالح و الاهداف.
إستراتيجية المساومة أو ما يسمى الكسب المتبادل.
-إتخاذ مواقف تفاوضية بخصوص كل من العرض و القبول و الاعتراض و غيرها.
فالتفاوض فن مبني على قوة الإتصال الفعال و تبادل الأفكار و الآراء و يشكل عنصر الوقت فيها عامل مهم[5].
عقود المفاوضات :قد تأخذ المفاوضات العديد من الأشكال و المسميات منها :
عقد التفاوض: ويسمى ايضا بإتفاق المبدأ و هو يعد أفضل و أحسن أنواع عقود المفاوضات لأنه يخرج المفاوضات من أحكام المسؤولية التقصيرية لأحكام المسؤولية العقدية علما أن عقود التجارة الدولية و خاصة عقود نقل التكنولوجيا تتطلب وقت و جهد كبير لاتمامها و في حالة قطعت المفاوضات قد يتكبد الاطراف خسائر مالية و غير مالية كتفويت فرصة كبيرة و بالتالي فالعقد يعد ضمانة لكل اطرافه في حالة الاخلال به .
و قد يتخذ التفاوض صورتان ، إذ قد يكون عقدا مستقلا بذاته أو يأتي في شكل بند من بنود المضمنة في العقد الاصلي.
الاتفاقات الممهدة : إذ لا يكفي مجرد القول بوجود إتفاق مبدئي على التفاوض في غطار عقود الحاسب الآلي، وإنما لاجل ضبط جميع مراحل المفاوضات يلجأ الاطراف لاتفاقات المبدأ والتي الهدف منها الحصول على المشورة الاولية، والتي تمهد لعقد التزويد بالحاسب الالي، حيث يقوم مكتب إستشاري بدراسات ميدانية، واقتصادية حول تكلفة النظام الآلي المطلوب.
رسائل النوايا: هي اتفاقات ذات طبيعة خاصة تتميز عن غيرها من الأوراق التي يتم تداولها خلال العملية العقدية ، كأوراق الدعاية والاعلان، حيث يوقع عليها الاطراف وتنتج بذلك إلتزاما عقديا مؤداه الاستمرار في التفاوض[6] .
البروتوكولات الاتفاقية: يستخدم مصطلح بروتوكول إتفاقي للدلالة على الاتفاقيات المبدئية التي توصل إليها أطراف المفاوضات، والفرق بين البروتوكولات الاتفاقية ورسائل النوايا أن كلاهما سابق للعقد و يتضمن كل منهما جزئيات تم الاتفاق بشأنها في سبيل الوصول للعقد النهائي، إلا أن الفقه يفرق بينهما و يتمثل الفرق في أن البروتوكول الاتفاقي يتضمن أجزاء كبيرة من العقد النهائي في حين تحتوي رسائل النوايا على بعض عناصر العقد، فالوصول للبروتوكولات يرتبط بقطع مراحل كبيرة من مرحلة التفاوض مقارنة مع المراحل التي تم إجتيازها للوصول إلى رسائل النوايا[7] .
في الأخير إن المفاوضات مهما كانت التسمية التي جاءت في إطارها فهي مرحلة لا يمكن تجاوزها في عقود التجارة الدولية إذ تعد المرجع الذي يعود إليه القاضي أو المحكم في تفسير إرادة المتعاقدين.[8]
المفاوضات في ظل القانون الجزائري
إرتأينا في ظل إنفتاح الجزائر على الاستثمارات الاجنبية و سعييها إلى تهيئة مناخ الاعمال لجلب المستثمرين الاجانب و الدفع بالاقتصاد الوطني الى الامام ان نطلع على بعض القوانين و الاصلاحات الجديدة التي مست مختلف ميادين المعاملات من باب التعرف على مدى إهتمام المشرع الجزائري بتنظيم مرحلة المفاوضات و التي سبق و أن تحدثنا عن أهميتها في عقود التجارة الدولية على إختلاف أنواعها..
المفاوضات في إطار قانون الاستثمار: الاستثمارات رغم إختلاف مجالاتها فهي في أصلها عبارة عن عقود تبرم بين طرفين أو أكثر قد يكون اطرافها أشخاص معنوية أو طبيعية .
و بالتالي تحتاج هذه الاخيرة لدراسات و مناقشات المراد منها التعرف على كل جوانب العقد و عدم ترك أي غموض قد يتسبب لاحقا في إشكالات في تنفيذ العقد المزمع عقده.
و بالرجوع لقانون ترقية الاستثمار الملاحظ أن المشرع لم يقنن هذه المرحلة رغم اهميتها إلا انه إشترط واجب إعلام المستثمر و الذي جعل منه مهمة واقعة على الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار بموجب المادة 26 فقرة 2 من قانون ترقية الاستثمار 16/09 (18) و الاعلام المقصود هنا هو الاعلام المصحوب بحسن نية و الهدف منه حماية المتعاقد وهذا ما جاءت به المادة 107 من القانون المدني الجزائري و التي نصت في مضمونها " لايقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه حسب ، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون و العرف و العدالة ، بحسب طبيعة الالتزام" ».
إضافة لما سبق فإن المادة الرابعة من القانون رقم 04-20 و المتعلق بالقواعد المطبقة على الممارسات التجارية الذي كرس قواعد الشفافية والنزاهة على القواعد التجارية في المعاملات فيما بين المتعاملين الاقتصاديين و بينهم وبين المستهلكين و التي نصت على " يتولى البائع و جوبا اعلام الزبائن بأسعار و تعريفات السلع و الخدمات و بشروط البيع (19) «
هذا و من خلال قراءة المادة الثالثة من القانون رقم 04-02 و التي تحدثت عن الاشهار المستعمل لجذب الزبائن و دور هذا الاخير في إقناع المستهلكين بخصائص المنتجات و الخدمات إذا تجاوز الوضائف المحددة له و اصبح وسيلة احتيال و خداع و جب منعه.
بناءا على ما سبق إرتنأينا و جوب التفرقة بين الاعلام و المفاوضات ، لان الاعلام و الذي يعني قيام شخص بإعلام الغير علما بصفات شيئ معين لاجل تنويره قبل إتخاذ القرار بشأن مسألة ما و هذا هو الاعلام الذي تحدث عنه المشرع الجزائري في النصوص القانونية الانفة الذكر و الذي لا يرتقي لمرحلة التفاوض عل أساس أن الاعلام شرط من الشروط أو عنصر من عناصر التفاوض ، فالمفاوضات أعم و أشمل من الاعلام.
إن القانون 04-02 المتعلق بالممارسات التجارية و المعدل بموجب القانون رقم 10-06 المؤرخ في 20 اوت المعدل و المتتم للقانون رقم 04-02المؤرخ في 23يونيو 2004 و الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية جريدة رسمية عدد 46 لسنة 2010 (20). والذي و سع من مجال تطبيق القانون رقم 04-02 الى فئات اخرى من الاعوان الاقتصاديين (21).
و بالرجوع لأحكام القانون المدني الجزائري فلا نجد نصا قانونيا ينظم التفاوض بعناه الحقيقي و إنما هناك بعض النصوص و منها المادة72 منه و التي تتحدث عن الوعد بالتعاقد و الذي يلتزم فيه أحد الاطراف أو كلاهما في العقد الملزم لجانبين بإبرام العقد النهائي إذا أبدى الموعود له أو كلاهما رغبته في إبرام العقد النهائي خلال المدة المتفق عليها، في حين الفرق شاسع بين الوعد و بالتعاقد و التفاوض فالأول عقد مكتمل الشروط اما التفاوض و ليس عقد التفاوض فهو ليس عقدا و إنما تمهيدا لمرحلة التعاقد و بالتالي لا يجوز الاسقاط هنا
رغم وجود بعض الخصائص المتشابهة بين الوعد بالتعاقد و عقد التفاوض من حيث أن كلاهما عقد مستقل بالمعنى القانوني و كلاهما يمهد و يحضر لعقد نهائي و لكن يحظى كل منهما بإستقلاليته.
ضف الى ذلك ما نصت عليه المادة 63 من نفس القانون والتي جاء فيها " إذا عين اجل للقبول ألتزم الموجب بالبقاء على إيجابه ألى إنقضاء الاجل .." تتعلق هذه المادة بالايجاب أو ما يسمى بالدعوة الى التعاقد و ليس المفاوضات " هذا و ورد في المادة 65 من القانون المدني الجزائري " إذا إتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد ....اعتبر العقد مبرما " فالنص يتحدث عن العقد النهائي و ليس عن المفاوضات و بالتالي لا وجود لنص صريح ينظم هذه المرحلة في ظل القانون المدني الجزائري .
.
[1]محمد إبراهيم الدسوقي ، الجوانب القانونية في إدارة المفاوضات و إبرام العقود ،معهد الادارة العامة ، المملكة العربية السعودية ،سنة 1995، ص (21-24)
.[2] أ/محمد عمر عبد الله حفناوي ،المفاوضات في عقود التجارة الدولية (دراسة مقارنة )، رسالة ماجستير ، كلية الدراسات الفقهية والقانونية ، جامعة آل البيت ، الاردن سنة 2002.
تعليقات
إرسال تعليق