التحكيم كطريق بديل لحل نزاعات عقود التجارة الدولية
Arbitration as an alternative way to resolve conflics over international trade contracts
ملخص:
يعد التحكيم التجاري الدولي أحد الطرق المعتمدة في تسوية المنازعات التي قد تعترض العقد التجاري الدولي، لمحاسنه فقلما يخلو العقد الدولي من شرط أو مشارطة التحكيم، وسبب ذلك راجع لارتياح الأطراف المتعاقدة لنزاهة القرارات التحكيمية باعتبارها تصدر عن جهات مستقلة، ومحايدة لا تخضع لأي ضغط.
هذا ما جعل مسألة تنظيم التحكيم التجاري الدولي بموجب قوانين وطنية أمرا واجبا باعتباره أحد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها في تقييم المناخ التجاري في دولة ما، وعلى هذا الأساس سارع المشرع الجزائري لتنظيمه من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية لفعاليته كقضاء خاص على غرار باقي الطرق المعتمدة في فض منازعات التجارة الدولية، والذي أثبت نجاعته على المستوى العالمي في مجال البيئة الرقمية في شكل ما يسمى التحكيم الإلكتروني خاصة في ظل انشار جائحة كورونا.
الكلمات المفتاحية: التحكيم التجاري- تسوية- منازعات –قضاء خاص.
Abstract:
Commercial arbitration is one of the methods adopted in the settlement of disputes that may be encountered in the international trade contract for its advantages. The international contract is rarely devoid of the arbitration clause, and this is due to the satisfaction of the contracting parties to the integrity of the arbitral decisions as they are issued by independent and impartial entities that are not subject to any pressure. This has made the issue of regulating international commercial arbitration under national laws one of the main pillars on which it depends in assessing a country's commercial climate. On this basis, the Algerian legislator hastened to regulate it through the Civil and Administrative Procedures Act for its effectiveness as a special judiciary unlike other methods adopted in resolving international trade disputes.
Keywords: Commercial Arbitration - Settlement - Disputes - Special judiciary
مقدمة
التحكيم بوجه عام قديم قدم البشرية، فقد وجد مع وجود الإنسان وظهر قبل ظهور القضاء ولم يقتصر على حضارة معينة([1])، غير أنّ انتشاره في مجال التجارة الدولية لم يظهر إلا حديثا نتيجة زيادة المعاملات التجارية على المستوى الدولي، كما يعتبر التحكيم التجاري الوسيلة الأكثر تفضيلا لحل نزاعات التجارة الدولية ، بل وأكثر من ذلك يعدّ ضرورة ثابتة من ضرورات ومستلزمات التجارة الدولية، فعلى حدّ تعبير بعض الفقه "توأمان لا يمكن فصلها أو بمثابة الروح من الجسد، فإذا كانت التجارة الدولية جسدا فإنّ التحكيم عقله المفكر" ([2]) .
نظرا لأهمية التحكيم والمكانة البارزة التي يحتلها من بين طرق حل النزاعات الأخرى، تسارعت الدول إلى تنظيمه كطريق بديل للتسوية في مجال التجارة الدولية والقانون الجزائري من ضمنها، لتوفير نوع من الحرية للأطراف المتعاقدة في حل منازعاتهم التجارية بعيدا عن القوانين الوطنية من جهة، أما من جهة أخرى فالهدف منه الخروج عن السيادة و القيود التي تفرضها القوانين الداخلية على حرية الأطراف، و بالتالي تقبل نتيجة القرارات التحكيمية لنزاهتها و حيادها.
هذا ولا تتوقف أهمية التحكيم على النزاهة والحياد فقط، وإنما هناك ميزات أخرى في مقدمها إدماج التقنية في قطاع التحكيم التجاري الدولي نتيجة التطورات الحاصلة في ميدان الاتصال التكنولوجي من خلال اعتماد الدول ما يسمى بالتحكيم الإلكتروني، والذي كان له بالغ الأهمية من حيث إستمرار الفصل في المنازعات التحكيمية خلال انتشار جائحة كورونا مما يتناسب ومميزات التجارة من حيث السرعة في أداء المعاملات العادية والإلكترونية منها على وجه الخصوص .
و الاشكالية التي يطرحها موضوع الدراسة تتمثل في : ماهية التحكيم التجاري الدولي باعتباره بديل فعال لحل النزاعات المرتبطة بعقود التجارة الدولية؟
للإجابة على هذه الإشكالية، سيتم الاعتماد عل المنهج الوصفي موضوع لتماشيه وطبيعة الموضوع محل البحث بالإضافة للمنهج التحليلي في ما تعلق بتحليل النصوص القانونية المنظمة للتحكيم، وذلك بدراسة مفهوم التحكيم في مجال عقود التجارة الدولية في المبحث الأول، أما المبحث الثاني فتم تخصيصه لتنظيم العملية التحكيمية، مع حصر الدراسة في القانون الجزائري .
المبحث الأول: مفهوم التحكيم التجاري الدولي
النزاعات والخلافات بين أطراف عقود التجارة الدولية أمر طبيعي، ذلك أن الخلاف مآله التنازع، ولهذا حاول أطراف عقود التجارة الدولية منذ القدم إيجاد وسائل بديلة لفض نزاعاتهم بطرق ودية عديدة كالتفاوض، الصلح، الوساطة والتحكيم.الذي يعتبر أهم هذه الوسائل البديلة؛ بحيث أصبح سمة بارزة في مجال التجارة الدولية، حتى أنه لا يكاد يخلو عقد من عقودها من النص على أن النزاعات التي قد تنشأ بخصوصه تحل عن طريق التحكيم.
وللإلمام أكثر بالتحكيم باعتباره الوسيلة الودية المفضلة من قبل فئة التجار على المستوى الدولي، يستم تحديد تعريفه والخصائص التي ينفرد بها في المطلب الأول، ثم تمييزه عن غيره من الأنظمة القانونية القريبة منه في المطلب الثاني، إضافة الى تبيان أنواعه في المطلب الثالث.
المطلب الأول: تعريف وخصائص التحكيم التجاري الدولي
مصطلح التحكيم التجاري الدولي مصطلح حديث النشأة تم استعماله لأول مرة في مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في نيويورك خلال جوان 1958، الذي إنتهى بتوقيع اتفاقية نيويورك بشأن اعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية([3]) .
وعلى الرغم من وجود التحكيم التجاري الدولي كمفهوم منذ زمن بعيد، إلا أنه كان من الصعب إيجاد تعريف خاص به (الفرع الأول) وبإعتباره الوسيلة الأكثر فعالية ونجاعة في حل نزاعات التجارة الدولية، ينفرد بخصائص بارزة تميزه عن غيره من الأنظمة القانونية التي تشتبه به(الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف التحكيم التجاري الدولي
للوقوف على تحديد المقصود التحكيم، يتعين وضع تعريف دقيق له سواء من الناحية اللغوية(أولا) أو الفقهية(ثانيا.).
أولا: التعريف اللغوي
التحكيم في اللغة هو بمعنى التفويض في الحكم ومصدره حُكْمٌ، يقال حكمت فلانا في مالي تحكيما، إذا فوضت إليه الحكم فيه، فاحتكم علي في ذلك([4] ).
ثانيا: التعريف الفقهي
عرف جانب من الفقه التحكيم بأنه اتفاق على طرح النزاع على أشخاص معنيين يسمون محكمين ليفصلوا فيه دون المحكمة دون المحكمة المختصة أصلا بتحقيقه و الفصل في موضوعه، و قد يكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بعد نشأته و سمي عندئذ مشارطة التحكيم، و قد يتفق ذو الشأن مقدما و قبل النزاع على عرض المنازعات التي قد تنشأ بينهم في المستقبل خاصة بتنفيذ عقد معين على المحكمين و يسمى الاتفاق عندئذ شرط التحكيم[5]
كما عرف أيضا على أنه اتفاق أطراف عقود التجارة الدولية على إحالة النزاع إلى شخص واحد، أو عدد من الأشخاص ليقوموا بإيجاد حل لهذا النزاع، يلزم أطرفه جميعا([6] ).
في حين يرى البعض بأنه آلية و وسيلة تهدف إلى الفصل في مسألة تتعلق بالعلاقات القائمة بين طرفين أو عدة أطراف بواسطة شخص أو عدة أشخاص والذين يستمدون سلطتهم من إتفاق خاص، ويفصلون في المنازعة بناء على هذا الاتفاق، دون أن يكونوا مخولين بهذه المهمة من قبل الدولة([7]).
الملاحظ أن الفقه يركز في تعريفه للتحكيم على عنصر الاتفاق باعتباره الأساس الذي يستمد منه التحكيم وجوده وقوته الملزمة لأطرافه والمبني على رضاهم .
التعريف القانوني للتحكيم
عرف القانون الجزائري شرط التحكيم في المادة 1007 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية [8]على أنه " اتفاق يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 لعرض النزاعات التي تثار بشان هذا العقد على التحكيم " .
هذا وقد نص المشرع الجزائري على اعتماد التحكيم كطريق لفض النزاعات المحتملة في مجال الإستثمار حيث نصت المادة 24 من الأمر رقم 16/09المتعلق بترقية الإستثمار على أنه " يخضع كل خلاف بين المستثمر الأجنبي و الدولة الجزائرية بتسبب فيه المستثمر أو يكون بسبب إجراء اتخذته الدولة الجزائرية في حقه. للجهات القضائية الجزائرية المختصة إقليميا، إلا في حالة وجود إتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية تتعلق بالمصالحة و التحكيم أو في حالة وجود اتفاق مع المستثمر ينص على بند تسوية أو بند يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص " ([9]).
التعريف القضائي للتحكيم
ذهب القضاء المصري من خلال المحكمة الدستورية الى تعريف الحكيم بأنه : عرض نزاع معين بين طرفين على محكم يعين باختيارهما في ذلك النزاع بقرار يكون نهائيا ، قاطعا دابرا الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية" ([10]).
أمامجلس الدولة الفرنسي فعرف التحكيم: " يتمثل في سلطة اتخاذ القرار التي يعترف بها لطرف ثالث و التسليم بصفة قضائية لقرار المحكم ([11]).
الواضح أن عدم الاتفاق في إعطاء التحكيم تعريف موحد لم يقتصر على الجانب الفقهي فقط، بل طغى على الجانب القضائي أيضا حيث أن الاجتهادات القضائية لم تتفق بشأن إعطاء مفهوم موحد للتحكيم.
الفرع الثاني :خصائص التحكيم التجاري الدولي
يتسم التحكيم في مجال عقود التجارة الدولية بخصائص هامة ومميزة، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: سرعة الفصل في القضايا
يتميز التحكيم التجاري الدولي بسرعة الفصل في النزاع؛ حيث يستغرق وقتا أقل مقارنة ينظر الدعوى لدى المحاكم القضائية، هذه الأخيرة أيا كانت درجتها تعاني من البطء في الإجراءات ، التراخي في الفصل في الدعاوى المعروضة أمامها ما أدى إلى عزوف الكثير من المتقاضين عن القضاء العادي واللجوء إلى قضاء التحكيم كبديل مضمون من حيث سرعة في الفصل في المنازعات المعروضة عليه([12]).
ثانيا: سرية قضاء التحكيم
على خلاف مبدأ علنية الجلسات والذي يعتبر من الضمانات الأساسية للتقاضي في القضاء العادي، تعدّ السرية ميزة خاصة ينفرد بها؛ فالتجار على الصعيد الدولي يرغبون في عدم معرفة النزاعات الناشئة بينهم وأسبابها ودوافعها، نظرا لما تؤدي إليه هذه المعرفة من المساس بالمراكز المالية والاقتصادية لهؤلاء المتعاملين التجار([13]).
فميزة السرية في التحكيم تعدّ أحد العناصر الطبيعية المكونة لهذا النظام والتي لا يقوم بدونها، كما أنها تعد الدافع الأساسي لاختياره من قبل الأفراد كوسيلة النزاعات التي تقوم بينهم([14]).
ثالثا: قضاء خاص : يقصد به أنه عمل قضائي يجري خارج نطاق المحاكم يقوم أساسا على تراضي طرفي النزاع وقبولها لحكم المحكمين، أو بالأحرى هو تصرف قانوني يتمثل في عقد التحكيم والذي يلتزم فيه الخصوم بطرح النزاع أمام المحكمين لإصدار الحكم فيه ([15]).
رابعا: حرية الأطراف في قضاء التحكيم
تعتبر هذه الخاصية أبرز دافع للتجار على المستوى الدولي إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحل النزاعات التي تنشأ بينهم. وتتجلى حرية الأطراف في قضاء التحكيم في اختيار نوع التحكيم (تحكيم منظم أو تحكيم الحر)، اختيار مكان انعقاد التحكيم وإجراءاته وموضوع المنازعة محل التحكيم، تحديد المدة التي يجب أنّ يفصل خلالها المحكمين في المنازعة المطروحة أمامهم، وهي حريات تفقدها الأطراف في إطار القضاء العام([16]).
المطلب الثاني: تمييز التحكيم عن بعض الأنظمة القانونية المشابهة له
تعتبر الوساطة والصلح وسائل ودية لحل المنازعات التي تنشأ بين الأفراد، فكلاهما بالإضافة إلى الخبرة تتطلب تدخل طرف من الغير يعهد إليه بأداء مهمة حل مشكل أو نزاع قائم، ويطلق على هذا الغير المختار لفظ الوسيط ، المصلح، الخبير، وهو ما يدفع لضرورة التفرقة ما بين هذه الأنظمة القانونية والتحكيم.
الفرع الأول: التحكيم والخبرة
الخبرة هي طلب رأي فني من شخص مختص وذلك في شكل تقرير يجيب على مختلف الجوانب المتعلقة بهذا الطلب( [17])، لذلك يشابه النظامان في كونهما يتطلبان تدخل الغير لأداء مهمة معينة تتمثل بالنسبة للخبير في إعطاء رأي استشاري أما المحكم فتتمثل مهمته في حل المنازعة المعروضة أمامه( [18]). غير أنهما يختلفان في نقاط عدة ، نذكر منها:
- القيمة القانونية لرأي الخبير التي تعتبر ذات طالع استشاري، يمكن للجهة التي طلبته أن تأخذ به كما يمكن أن لا تأخذ به، على عكس التحكيم الذي تكون أحكامه حائزة لحجية الشيء المقضي فيه وملزم للأطراف فيه .
- التحكيم لا يثبت ولا ينعقد إلا بالكتابة ولا يشترط ذلك في الخبرة.
- الخبرة لا تعتبر طريقة لحل النزاع، بل هي مجرد إبداء الرأي والمشورة من مختص .
- الخبير يتطرق إلى المسائل الفنية فقط، في حين أنّ المحكم يتطرق إلى المسائل القانونية والواقعية المتعلقة بالنزاع([19] ).
الفرع الثاني :التحكيم والصلح
يعرف الصلح على أنه عقد يحسم به أطراف النزاع أو من يمثلونهم الخلاف الحاصل بينهم، وذلك عن طريق تنازل متبادل من قبل الخصوم عن حقوقهم([20])، لذلك يتفق الصلح مع التحكيم في حسم الخصومة دون إصدار حكم قضائي. غير أنهما يختلفان في عدة جوانب منها:
- الصلح كما سبق ذكره يتم بشرط أن يتنازل طرفاه عن جزء من حقوقهم، وذلك على وجه التقابل فلا يقع الصلح ما لم يتم تنازل متقابل من طرف الخصوم، بينما لا يكون ذلك في التحكيم الذي يضع حدا للنزاع حتى ولو لم يتم تنازل متبادل من قبل الخصوم([21]).
- النزاع لا يحل بمجرد إبرام اتفاق التحكيم، وإنما بإنهاء المحكم لمهمته وإصداره حكما يتمتع بحجية الشيء المقضي فيه، على عكس الصلح الذي ينهي النزاع بمجرد إبرامه، كما أنه لا يكون قابلا للتنفيذ بذاته ما لم يتم في صورة عقد رسمي.
- الحكم التحكيمي قابل للطعن على خلاف الصلح الذي لا يقبل أيّ طعن([22]).
الفرع الثالث :التحكيم والوساطة
الوساطة تعرف بأنها عمل تطوعي واختياري، وهي طريق بديل لحل النزاع؛ حيث يقوم الأطراف بواسطة الغير بالاجتماع والتشاور للوصول إلى حل ينهي النزاع ويرضي الأطراف([23])، وتتشابه مع التحكيم في كونهما من الطرق البديلة لحل النزعات التي تنشأ بين الأفراد، وذلك بتدخل طرف من الغير يسمى الوسيط، الذي يعهد إليه مهمة الفصل في النزاع. غير أن الوساطة تختلف عن نظام التحكيم من حيث أنّ: الحكم الصادر عن الوسيط لا يتمتع بأية حجية بمعنى؛ أن ما يصدر عن الوسيط هو مجرد حل للمسألة المعروضة أمامه، ويكون في بعض الأحيان قد توصل إلى هذا الحل، بمساعدة أطراف النزاع، ولا يعدّ هذا الحل ملزما لهم إلا إذا قبلوه، على عكس الحكم الصادر عن المحكم الذي يكون ملزما للأطراف ويتمتع بالحجية منذ صدوره؛ أي يكون قابلا للتنفيذ جبرا أو طواعية([24]).
المطلب الثالث: أنواع التحكيم
تتحدد أنواع التحكيم تبعا للمعيار المتخذ في التفرقة، فمن حيث التنظيم ينقسم إلى تحكيم حر وتحكيم مؤسساتي(فرع أول)، ومن حيث النزاعات ينقسم إلى نزاعات مستقبلية ونزاعات قائمة ( فرع ثاني). مع الاشارة للتحكيم للإلكتروني (فرع ثالث)
الفرع الأول: أنواع التحكيم اعتمادا على طريقة تنظيمه
ينقسم التحكيم التجاري الدولي من حيث التنظيم إلى نوعين؛ تحكيم حر(أولا) وتحكيم مؤسساتي(ثانيا).
أولا: تحكيم حرّ( تحكيم الحالات الخاصة(
يقصد بالتحكيم الحر ذلك الذي يتولى الخصوم إقامته بمناسبة نزاع معين للفصل فيه، فيختارون بأنفسهم المحكم أو المحكمين، كما يتولون في الوقت ذاته تحديد الإجراءات والقواعد التي تطبق بشأنه([25]).
ثانيا: تحكيم مؤسساتي
يكون التحكيم مؤسسيا، متى أحال أطراف العقد التجاري الدولي النزاع إلى إحدى مؤسسات التحكيم التي تتولى تنظيم العملية التحكيمية، بدءا من تعيين هيئة التحكيم، مرورا بإجراءاته، وانتهاء بصدور قرار التحكيم وتبليغه للأطراف النزاع.
ومن أهم هذه المؤسسات: محكمة التحكيم الدولي في لندن، المحكمة الدولية للتحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس( [26]). .
الفرع الثاني: أنواع التحكيم اعتمادا على نوع المنازعة( قائمة أو مستقبلية)
ينقسم التحكيم وفق هذا المعيار إلى تحكيم منصوص عليه فيما يسمى بشرط التحكيم(أولا)، وتحكيم منصوص عليه فيما يسمى بمشارطة التحكيم(ثانيا).
أولا: شرط التحكيم
يقصد به الشرط الوارد ضمن شروط العقد الأصلي، والذي يقضي بأنّ كل نزاع ينشأ في المستقبل عن هذا العقد بمناسبة تنفيذه أو تفسيره يحال إلى التحكيم([27] ).
ثانيا: مشارطة التحكيم
يقصد بمشارطة التحكيم، الاتفاق الذي يبرمه طرفا العقد الأصلي بعد وقوع النزاع فعلا، يحيلان بمقتضاه نزاعهما إلى التحكيم. فمشارطة التحكيم تفترض مبدئيا عدم وجود شرط التحكيم في العقد الأصلي، ويقع النزاع بين طرفيه، فبدلا من اللجوء للقضاء يتفقان على إحالته للتحكيم.
الفرق بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم يكمن في أنّ الأول؛ يتعلق بنزاع مستقبلي محتمل في حين أنّ الثاني يتعلق بنزاع وقع فعلا، لذلك يفترض في هذا الأخير أن ينظم كل ما يتعلق بالتحكيم كطبيعة النزاع، هيئة التحكيم، الإجراءات المتبعة في التحكيم، القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق عليه([28]) .
الفرع الثالث :التحكيم التجاري الإلكتروني :
من مميزات العصرنة في مجال التحكيم التجاري الدولي ظهور ما يعرف بالتحكيم الالكتروني الذي يجمع بين لفظ التحكيم و هو التحكيم بمعناه التقليدي، و الذي يعد نظام للقضاء الخاص تقضي فيه خصومة معينة عن اختصاص القضاء العادي ، ويعهد فيها إلى أشخاص يختارون للفصل فيها . والمصطلح الثاني وهو الإلكتروني و يعني الاعتماد على تقنيات استخدام الوسائط الإلكترونية و شبكات الأنترنت في فض الخصومة.و من الفقه القانوني من عرف التحكيم الإلكتروني على أساس استغلال شبكة الأنترنت بأنه "التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة الأنترنت وفق قواعد خاصة دون الحاجة إلى إلتقاء أطراف النزاع و المحكمين .
فالتحكيم الإلكتروني لا يختلف عن التحكيم العادي في مجال القضايا التجارية الدولية إلا من حيث الطريقة ([29])، أي التقنية المستخدمة في العملية التحكيمية ومادام المشرع الجزائري اعتمد برنامج الادارة الالكترونية فما عليه سوى اعتماد هذا التحكيم الذي أضحى ميزة العصر لتماشيه ومختلف الظروف باعتباره يتم عن بعد دون حاجة للتنقل ، كما هو الحال في ظل انشار فيروس كورونا.
المبحث الثاني تنظيم التحكيم التجاري الدولي
تنظيم العملية التحكيمية عموما وفي مجال المعاملات التجارية خصوصا تبدأ بتشكيل هيئة التحكيم التي تخضع في الأصل لمبدأ سلطان الإرادة( المطلب الأول)، ومن ثم تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات وموضوع النزاع الذي يعتبر من الأسس الهامة في العملية التحكمية (المطلب الثاني)،و الذي سيعتمد عليه لإصدار الحكم التحكيمي الحاسم للنزاع والمنهي له ( المطلب الثالث).
المطلب الأول: الهيئة التحكيمية
تعين الهيئة التحكيمية يختلف باختلاف نوع التحكيم، وحتى يستطيع المحكم القيام بالمهام المخولة له لابد من توفر شروط محددة في شخصه، وإلا ترتب عن تخلفها رده واستبداله بمحكم أخر. لذلك سيتعرض هذا المطلب إلى كيفية تعين الهيئة التحكمية (فرع أول). والشروط الواجب توفرها في أعضاء الهيئة التحكمية( فرع ثان)، رد واستبدال المحكم (فرع ثالث)
الفرع الأول: كيفية تعيين الهيئة التحكيمية
تنص المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية( ([30] على أنه: "يمكن للأطراف مباشرة، أو بالرجوع إلى نظام التحكيم، تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد شروط تعيينهم ...
وفي غياب التحكيم وفي حالة صعوبة تعيين المحكمين يجوز...، يجوز للطرف الذي يهمه التعجيل القيام بما يأتي:
_ رفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر.
_ رفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر إذا كان التحكيم يجري في الخارج واختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر. "
من خلال هذه المادة، يستنتج يأنّ تعين المحكم أو المحكمين يكون من قبل الأطراف (أولا) أو من قبل نظام تحكمي (ثانيا) أو من قبل القاضي (ثالثا).
أولا: تعين الهيئة التحكمية من قبل الأطراف
يعتبر مبدأ سلطان الإرادة مبدأ هام في تشكيل الهيئة التحكمية، فالأصل أن يتم التعين أو الاختيار طبقا لإرادة الطرفين، وهذا كنتيجة حتمية على مبدأ الرضائية، الذي يقوم عليه التحكيم.
ثانيا: تعين الهيئة التحكيمية من قبل نظام تحكيمي
ان اعتماد أطراف النزاع على النظام التحكيمي لحل النزاع المتعلق بالتجارة الدولية فإنه يفترض تدخل هيئة دائمة للتحكيم من أجل تعيين المحكمين، وبذلك تكون طرق تعيين المحكمين المحددة في النظام التحكيمي مقبولة من الأطراف.
ثالثا: تعين المحكمين من قبل القاضي
يتم تعين المحكمين من قبل القاضي وفقا للمادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، إذا كانت هناك صعوبة، أو عند غياب الهيئة التحكمية، فإنه يجوز للطرف الذي يهمه التعجيل أن يلجأ إلى المحكمة المختصة لأجل تعيين المحكمين([31]).
الفرع الثاني: شروط تعيين أعضاء الهيئة التحكيمية
لا يختلف اثنان عن القاعدة" أنّ نجاعة وقيمة التحكيم كنظام لتسوية النزاعات من نجاعة وكفاءة المحكين" فهذه الأخيرة لا تتحقق إلا بتوفر صفات معينة إلزامية بحرص الفقه على ضرورة توافرها (أولا)، كما أنّه يحق للخصوم حسب سلطتهم التقديرية أنّ يضيفوا شروط أخرى يرونها ضرورية (ثانيا).
أولا: الشروط الضرورية الواجب توفرها في هيئة التحكيم
أ _ أن يكون المحكم شخصا طبيعيا: نص المشرع الجزائري على هذا الشرط من خلال م 1014 و1015 ق.إ.م.إ فالأصل أن تستند مهمة التحكيم إلى شخص طبيعي يتمتع بكافة حقوقه المدنية. و لا يمكن أن توكل هذه المهمة لشخص معنوي بل هذا الأخير يقوم فقط بتنظيم أو توجيه عملية التحكيم؛ فعند إختيار الأطراف للتحكيم المؤسساتي فهذه الأخيرة لا يمكنها أنّ تقوم بدور المحكم إلا عن طريق تمثيلها من قبل شخص طبيعي،وهذه المؤسسة تقوم فقط بإدارة وتنظيم التحكيم فقط.
ب_ أنّ يكون المحكم كامل الأهلية: يجب أن يكون المحكم بالغا سن الرشد ولم يحجر عليه وأنّ يكون متمتعا بحقوقه المدنية ويعتبر شرط الأهلية متفق عليه فقها وقضاء([32] ).
غير أنّ المشرع الجزائري لم يتطرق إليه لا في التحكيم الداخلي ولا في التحكيم التجاري الدولي في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وعليه يمكن إخضاع هذا الشرط للمادة 40 من القانون المدني( [33]) والتي تنص على أن:" كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، وسن الرشد 19 سنة كاملة"، خاصة و أن أهلية الشخص تخضع لقانون جنسيته تطبيقا للمادة 10/01من القانون المدني ، والتي تنص بدورها على أن :"يسري على الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم([34] ) .
جـ_ الحياد: وهو موقف ذهني بحت يقتضي عدم ميل المحكم إلى أحد الخصوم وأنّ يحكم بينهم بالعدل والإنصاف؛ فلا يجوز أنّ يكون المحكم خصما وحكما في أن واحد كما أنه لا يجوز أن تكون له صلة بالنزاع المعروض عليه([35]).
د_ إنتفاء المصلحة للمحكم في النزاع : يقصد بهذا الشرط أن المحكم لا يجوز أن تكون له مصلحة في النزاع المعروض عليه، لأن وجود المصلحة سيؤدي حتما ولا محال إلى انحياز المحكم للطرف الذي توجد مصلحته معه([36]).
ثانيا: الشروط المتروكة لتقدير الطرفين
إضافة إلى الصفات التي يعتبرها الفقه ضرورية ويستوجب توافرها في المحكمين، فإنه قد يتفق الطرفان على صفات أخرى يرونها ضرورية وهذه الصفات هي الجنسية، الجنس والخبرة.
أ_ الجنسية: إذا كان شرط الجنسية عند تعدد المحكمين لا يثير أي إشكال، فإن جنسية المحكم الفرد أو الرئيس يثير إشكال نظرا لأهميته، فجنسية هذا الأخير لا يجب أن تكون من جنسية الخصوم، تفاديا لأي شك قد يحيط بالمحكم، وضمانا لحياده وعدم انحيازه لأي طرف في النزاع.
ب_ الجنس: إن الأنظمة الوضعية سواء كانت عربية أو غربية لم تتعرض لهذه المسألة لا بالجواز ولا بالرفض، لذلك ليس هناك ما يمنع من أنّ يكون المحكم إمرأة، فالأطراف أحرار في اختيار من يرغبون فيه محكما بينهم؛ فالمرأة إذا كانت عارفة بأمور القضاء لا يوجد مانع من أنّ تكون مُحكمة.
جـ_ الخبرة: يمكن لأطراف النزاع أنّ يتفقوا على أنّ يكون المحكمين من ذوي الخبرة في مجال المنازعة المعروضة عليهم، مما ببعدهم عن الاستعانة بالخبراء وهو ما يحقق مصلحة مؤكدة للخصوم، ويؤدي أيضا إلى سرعة الفصل في النزاع. وإذا لم يتوافر هذا الشرط في المحكمين يجب على الأقل أنّ يكونوا ملمين بقواعد الكتابة والقراءة، لأن المحكم يجب أن يكون قادرا على قراءة مستندات الخصوم وكتابة الحكم وتوقيعه([37]).
الجدير بالإشارة أن توفر هذه الصفات أو الشروط سواء كانت إلزامية أو تقديرية لا تكفي وحدها لمباشرة المحكم لوظيفته التحكمية بل لابد من قبول هذا الأخير مهمة التحكيم.
كما أن الشروط السالف ذكرها يستوجب توافرها مهما كان نوع التحكيم المختار والتشكيل المعتمد للمحكمة التحكمية، لذا أقرت التشريعات الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي حق أطراف النزاع في ردّ المحكمين الذي لا تتوافر فيهم هذه الصفات.
الفرع الثالث: ردّ وإستبدال المحكمين
يقصد برد المحكمين ذلك الإجراء الذي يهدف إلى منع المحكمين من النظر في النزاع المعروض عليهم، كعدم توفرهم على شروط معينة أو طرأت على وضعيتهم ظروف لا تسمح باستمرارهم كمحكمين، مما يستوجب إبعادهم من الهيئة التحكمية واستبدالهم بآخرين.
نص المشرع الجزائري في المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية على الحالات التي يجوز فيها ردّ المحكم، والمتمثلة في:
- عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف.
- عندما يوجد سبب ردّ منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف.
- عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته، لاسيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية أو عائلية مع أحد الأطراف مباشرة أو عن طريق وسيط.
كما نصت المادة ذاتها على أنه: لا يجوز للطرف الذي عين المحكم أو ساهم في تعينه رده، إلا إذا كان سبب الرد علم به بعد هذا التعين، ويتعين عليه في هذه الحالة اطلاع محكمة التحكيم و الطرف الأخر بسبب الرد، وإذا حصلت منازعة ولم يقم الأطراف بتسوية إجراءات الرد فإن القاضي سيفصل في ذلك بأمر غير قابل لأي طعن بناء على طلب الطرف المعني بالتسجيل([38]) .
المطلب الثاني :القانون الواجب التطبيق للفصل في المنازعة التحكيمية
يقصد به مجموعة من القواعد القانونية التي يلتزم المحكم بتطبيقها سواء على إجراءات النزاع (الفرع الأول) أو على موضوع النزاع (الفرع الثاني).
الفرع الأول القانون الواجب التطبيق على إجراءات النزاع
وفقا لنص المادة 1043 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم يتحدد إما بناء على اختيار الأطراف أو يكون من طرف الهيئة التحكيمية .
أولا: تطبيق القانون المختار من على الأطراف إجراءات النزاع
قد يتفق أطراف الخصومة التحكمية في اتفاق التحكيم على تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم.
ثانيا: خضوع الإجراءات للقانون المعين من طرف هيئة التحكيم
في حالة عدم اتفاق أطراف النزاع على تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم تتولى الهيئة التحكمية ذلك ويكون إما بإخضاعها إلى قانون معين أو إلى نظام تحكيمي معين([39]).
الفرع الثاني القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
يستفاد من المادة 1050 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أن تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع قد يكون بناء على إرادة الخصوم أو/و في حالة عدم وجود مثل هذا التحديد فإن الفصل يكون بناء على قواعد القانون الجزائري والأعراف التي تراها محكمة التحكيم ملائمة([40]) .
المطلب الثالث :الحكم الفاصل في المنازعة التحكيمية
يعد الحكم التحكيمي ثمرة العملية التحكمية، به ينتهي موضوع النزاع المطروح، فبعد استكمال هيئة التحكيم مهماها بإجراء المداولة تأتي مرحلة صدور الحكم التحكيمي (فرع أول)والذي تترتب عنه آثار معينة، (فرع ثاني).
الفرع الأول صدور الحكم التحكيمي
اشترط المشرع الجزائري أن يكون الحكم التحكيمي في شكل معين(أولا) وأن يتضمن بيانات معينة(ثانيا).
أولا: الكتابة
شرط الكتابة أمر بديهي لتنفيذ الحكم التحكيمي، لهذا تنص غالبية القوانين على ضرورة إصدار الحكم التحكيمي في شكل كتابي وهو ما نص عليه المشرع الجزائري أيضا في المادة 1040( [41]) وكذلك المادة 34 من قواعد ([42] )UCITRAL على أن:" يصدر قرار التحكيم كتابة...". وذلك تحت طائلة البطلان.
ثانيا: البيانات الواجب توافرها في الحكم التحكيمي
يتشابه الحكم التحكيمي مع الحكم القضائي من حيث البيانات التي يتضمنها، وقد نص المشرع الجزائري على هذه البيانات في المادتين 1027و 1028 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، وهي كما يلي:
- اسم ولقب المحكم أو المحكمين.
- تاريخ صدور الحكم ومكان إصداره .
- أسماء وألقاب الأطراف وموظف كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي.
- أسماء وألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف عند الاقتضاء.
- عرض موجز لادعاءات الأطراف.
- عرض موجز لأوجه دفاع الأطراف.
- تسبيب حكم التحكيم ضمانة لحقوق الأطراف.
الفرع الثاني أثار صدور الحكم التحكيمي
بعدما يصدر القرار التحكيمي ويكون مستوفيا لشروطه الشكلية والموضوعية، ينتج أثارا هامة سواء في مواجهة الهيئة التحكمية التي أصدرته(أولا) أو في مواجهة أطراف النزاع (ثانيا).
أولا: أثار الحكم التحكيمي اتجاه الهيئة التحكمية
أول وأهم أثار يرتبه الحكم التحكيمي اتجاه الهيئة المصدرة له، هو انتهاء مهمة هذه الأخيرة أو بالأحرى رفع يد المحكم عن المساس بالحكم التحكيمي، فلا يجوز الرجوع ثانية للنظر في الحكم الذي أصدره المحكم أو المحكمين([43] )، وهذا المنع لا يقتصر على الهيئة المصدرة له، وإنما يشمل أيضا الجهات القضائية هذا ما نصت عليه المادة 1030 ق.إ.م.إ. لكن هذا الأثر يثير عدّة إشكالات في حالة إذا ما شاب هذا القرار خطأ مادي فلمن تكون سلطة تصحيح وتعديل القرار التحكيمي؟
أجاب المشرع الجزائري على التساؤل ضمن الفقرة الثانية من المادة 1030 من هذا قانون الاجراءات المدنية والإدارية ، والتي تنص على أنه: " ...غير أنه يمكن للمحكم تفسير الحكم أو تصحيح الأخطاء المادية و الإغفالات التي تشوبه طبقا للأحكام الواردة في هذا القانون" بمعنى يمكن القيام بلك التعديلات والتصحيحات بالاعتماد على الاجراءات المحددة في قانون الاجراءات المدنية والإدارية .
ثانيا: أثار القرار التحكيمي اتجاه أطراف النزاع
أثار القرار التحكيمي لا تقتصر على الهيئة المصدرة له بل تمتد أيضا إلى طرفي النزاع، حيث يترتب عليه أولا فتح مجال الطعن فيه، ذلك أن حجية القرار لا تعني عدم إمكانية الطعن فيه، وفي حالة استنفاذ إجراءات الطعن أو عدم الطعن فيه يترتب على ذلك تنفيذ القرار التحكيمي وهو الأثر الثاني.
1_ الطعن في قرار التحكيم
أجاز المشرع الجزائري الطعن في القرار التحكيمي بكافة طرق الطعن في الأحكام القضائية، ما عدا المعارضة، اعتراض الغير الخارج عن الخصومة. وتتمثل تلك الطرق في:
أ_الطعن بالاستئناف: وفقا لنص المادة 1055 ق.إ.م.إ ، فإنه يجوز الطعن بالاستئناف في القرار الذي يرفض الاعتراف أو التنفيذ ، أما القرار القاضي بالاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي لا يجوز استئنافه إلا في حالات حددتها المادة 1056 ق.إ.م.إ وهي كما يلي:
- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون إتفاقية تحكيم أو بناء على إتفاقية باطلة أوبعد إنقضاء مدة الإتفاقية.
- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعين المحكم الواحد مخالفا للقانون.
- إذا لم يراع مبدأ الوجاهية.
- إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المستندة إليها.
- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب.
- إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي.
يرفع الاستئناف إلى المجلس القضائي خلال أجل شهر واحد، ويحسب هذا الأجل من تاريخ التبليغ الرسمي[44] .
وتجدر الإشارة بهذا الصدد أن الإستئناف المشار إليه في المادتين المذكورتين أعلاه، يخص الأحكام التحكيمية الصادرة في الخارج، كما أن الطعن بالإستئناف موجه ضد القرار الذي يرفض الإعتراف أو التنفيذ، والقرار الذي يسمح بالإعتراف أو التنفيذ، وليس ضد الحكم التحكيمي([45]).
ب _الطعن بالبطلان: تكون القرارات الصادرة عن الهيئة التحكمية في الجزائر في مجال التجارة الدولية موضوع طعن بالبطلان، وذلك في الحالات المنصوص عليها في المادة 1058 من قانون الإجراءات المدنية والادارية والتي تحيل بدورها إلى المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإداري ، وهي الحالات نفسها المحددة سابقا والتي تسمح بالطعن بالإستئناف،
يرفع الطعن بالبطلان إلى المجلس القضائي الذي صدر الحكم التحكيمي في دائرة اختصاصه وذلك خلال شهر من تاريخ التبليغ الرسمي([46]) ،ويكون الطعن بالبطلان موقف لآثار الحكم التحكيمي خلال سريان مهلة رفعه وهو ما ينطبق أيضا على الطعن بالإستئناف.
جـ_ الطعن بالنقض: كل القرارات الصادرة عن الطعن بالاستئناف والطعن بالبطلان قابلة للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا خلال شهرين ([47]).
2_ تنفيذ الحكم التحكيمي
لا تكون للقرار التحكيمي أية قيمة إذا كان مجرد وثيقة مكتوبة غير قابلة للتنفيذ، لذلك يجب تنفيذه ليولد آثاره، ويرى البعض منهم أن هذا التنفيذ بمثابة اللحظة الحقيقية لنظام التحكيم حيث تظهر قيمة وأثر ما تم اتخاذه في عملية التحكيم.
وتنفيذ القرار التحكيمي يتخذ صورتين هما: التنفيذ الإختياري أو الإرادي، والتنفيذ الجبري ويكون عندما يرفض المحكوم عليه التنفيذ الاختياري([48]).
خاتمة
أصبح التحكيم في الوقت الراهن يحتل مكانة هامة وبارزة في مجال التجارة الدولية، فلا يكاد يخلو عقد من عقودها من شرط يقضي بموجبه إلى إتباع التحكيم لحل النزاعات التي قد تنشأ بين أطرافه بخصوص تفسير أو تنفيذ هذا العقد. ويعود هذا بالأساس إلى المزايا التي يتمتع بها مقارنة بالقضاء العادي خاصة من حيث سرعته في الفصل في القضايا وسريته، ناهيك عن حرية الأطراف التي تستند إلى مبدأ سلطان الإرادة في اختيار الأشخاص الذين يتولون مهمة التحكيم، واختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات وموضوع النزاع، فكل هذه الأمور تجعل أطراف النزاع على ثقة من أن نزاعهما سوف يتم تسويته بشكل عادل وقانوني، الأمر الذي يجعل تنفيذ الحكم التحكيمي في الغالب طواعية.
وهذا ما دفع بالمشرع الجزائري الى تنظيم أحكام التحكيم من خلال قانون الاجراءات المدنية و الإدارية رغبة منه في مواكبة التطورات السريعة على الساحة التجارية الدولية، والتي تقتضي إعتماد التحكيم كآلية لتسوية ما قد ينشأ من منازعات في مجال مختلف العقود التجارية الدولية و ما أكثرها.
وعليه نرى بضرورة الاهتمام أكثر بالتحكيم التجاري الدولي في الجزائر لأهميته باعتباره ضمانة قانونية للراغبين في الاستثمار في الجزائر أمام الحاجة الماسة لذلك، و لاعتباره معيار يرتكز عليه في تقييم مدى نزاهة و تقبل الدول لفتح مجالها القضائي لتطبيق أحكام التحكيم الدولية.
فضلا عن ذلك لابد و ان ننوه لقلة المراكز المعتمدة للتحكيم في الجزائر كما هو الحال في باقي الدول العربية، و لذا لابد من التركيز عليها لأهميتها في تكوين و تدريب المهتمين بالتحكيم التجاري الدولي.
علاوة على ماسبق نذكر بأن التحكيم التجاري الدولي لم يعد ذلك التحكيم الذي يلزم الأطراف أو ممثليهم ضرورة الإنتقال لمباشرة إجراءات التسوية و تحمل التكاليف المرتفعة التي تقتضيها ظروف الحال، بل تطور هو الآخر مع انتشار التحكيم الالكتروني كأجراء أو طريق بديل و فعال خاصة في ظل تنامي الإقبال على المعاملات الالكترونية وانتشار التجارة في البيئة الرقمية وانتعاشها في ظل جائحة كوفيد19، ودليل ذلك ما أصاب العالم بأسره من كساد وركود في مختلف المجلات فلم تسلم إلا القطاعات المبنية على التقنية التكنولوجية الحديثة، وهذا ما يدفعنا لضرورة التفكير في اعتماد الأساليب التقنية في أداء المهام التحكيمية في الجزائر.
الى
قائمة المراجع
أولا: الكتب
1. فيظة السيد الحداد ، الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2004.
2. طالب حسن موسى، الموجز في قانون التجارة الدولية، الدار العلمية الدولية ومكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2001.
3. عليوش قربوع كمال، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.
4. عمر سعد الله، قانون التجارة الدولية، النظرية المعاصرة، الطبعة الثانية، دار هومة، الجزائر، 2009.
5. فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2006.
6. لزهر بن سعيد، التحكيم التجاري الدولي وفقا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية والقوانين المقارنة، دار هومة، الجزائر،2012.
7. محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الحديث، مصر، تاريخ النشر غير مذكور.
8. نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2001.
9. نجيب أحمد عبد الله ثابت الجبلي،التحكيم في القوانين العربية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، مصر، 2006.
ثانيا: المذكرات الجامعي
- نادية تياب ، التحكيم كآلية لتسوية نزعات عقود التجارة الدولية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون، تخصص عقود ومسؤولية، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزى وزو، سنة المناقشة غير مذكورة .
ثالثا: النصوص القانونية
1. الأمر رقم 75_58، المؤرخ في 26 سبتمبر1975، المتضمن القانون المدني، ج ر عدد78، صادر في 30/09/1975، المعدل والمتمم.
2. القانون رقم 08_09، مؤرخ في 25 فبراير 2008، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الجريدة الرسمية رقم 21، مؤرخة في 23/04/2008.
رابعا: وثائق أخرى
1. الاتفاقية التي صادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 10 جويلية 1958، والخاصة باعتماد الأحكام التحكيمية الأجنبية وتنفيذها، صادقت عليها الجزائر بتحفظ بموجب المرسوم رقم 88_233 ، مؤرخ في 5 نوفمبر1988.
2. القانون النموذجي للتحكيم، وثيقة الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي 1985.
الهوامش
[1]- يراجع، نجيب أحمد عبد الله ثابت الجبلي، التحكيم في القوانين العربية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، مصر، 2006، ص.7.
[2]- يراجع، نادية تياب ، التحكيم كآلية لتسوية نزعات عقود التجارة الدولية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون، تخصص عقود ومسؤولية، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزى وزو، سنة المناقشة غير مذكورة، ص4.
[3] -الاتفاقية التي صادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 10 جويلية 1958، والخاصة باعتماد الأحكام التحكيمية الأجنبية وتنفيذها، صادقت عليها الجزائر بتحفظ بموجب المرسوم رقم 88_233 ، مؤرخ في 5 نوفمبر1988.
[4].- يراجع، محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الحديث، مصر،دون تاريخ نشر ، ص.148.
[6] يراجع، عمر سعد الله، قانون التجارة الدولية، النظرية المعاصرة، الطبعة الثانية، دار هومة، الجزائر، 2009، ص.273.
[7]- يراجع، فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2006، ص.13.
- القانون رقم 08_09، مؤرخ في 25 فبراير 2008، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، جريدة رسمية رقم 21، مؤرخة في 23/04/2008. [8]
[9] -قانون رقم 16/09 المؤرخ في 3غشت 2016 و المتعلق بترقية الاستثمار المعدل و المتمم للامر 01/03،الجريدة الرسمية عدد46 المؤرخة في 03/08/2016.
- عبد المنعم خليفة عبد العزيز، التحكيم في منازعات العقود الإدارية الداخلية و الدولية ، دار الكتب القانونية، مصر، 2006، ص 338 . [10]
[12]- راجع لزهر بن سعيد، التحكيم التجاري الدولي وفقا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية والقوانين المقارنة، دار هومة، الجزائر،2012، ص ص. 35، 36؛ فوزي محمد سامي، المرجع السابق، ص ص. 16، 17.
[13] - يراجع، طالب حسن موسى، الموجز في قانون التجارة الدولية، الدار العلمية الدولية ومكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2001، ص. 164.
[14]- حفيظة السيد الحداد ، الوجيز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2004، ص. 21.
[15]- طالب حسن موسى، المرجع السابق، ص. 161.
[16].- ، حفيظة السيد الحداد، المرجع السابق، ص ص. 27، 28.
[17]- نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2001، ص. 201.
[18] لزهر بن سعيد، المرجع السابق، ص. 45.
[20].نبيل صقر، المرجع السابق، ص. 542 .
[21]- طالب حسن موسى، المرجع السابق، ص. 166 .
[22]- لزهر بن سعيد، المرجع السابق، ص. 43 .
[23] -لزهر بن سعيد، الرجع نفسه، ص44؛ طالب حسن موسى، المرجع السابق، ص.166.
[24]- ، حفيظة السيد الحداد، المرجع السابق، ص ص. 82، 83 .
[25]- عمر سعد الله، المرجع السابق، ص. 276 .
[26]- حفيظة السيد الحداد، المرجع السابق، ص 91؛ عمر سعد الله، المرجع السابق، ص. 277 .
[27]- نجيب أحمد عبد الله ثابت الجبلي، المرجع السابق، ص 158؛ نادية تياب، المرجع السابق، ص62.
[28]- سعد عمر الله، المرجع السابق، ص ص.277، 278؛ نجيب أحمد عبد الله ثابت الجبلي، المرجع السابق، ص ص. 168، 169.
[29]- محمد أمين الرومي ،النظام القانوني للتحكيم الإلكتروني ، الطبعة الأولى ، دار الفكر الجامعي ، مصر سنة 2006، ص93 .
[30]- القانون رقم 08_09، المضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية ،مرحع سابق.
[31]. يراجع، عليوش قربوع كمال، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص ص. 40،41.
[32]- يراجع، نجيب أحمد عبد الله ثابت الجبلي، المرجع السابق، ص 252؛ لزهر بن السعيد، المرجع السابق، ص ص. 149_ 151.
[33]- الأمر رقم 75_58، المؤرخ في 26 سبتمبر1975، المتضمن القانون المدني، ج ر العدد78، الصادر في 30/90/1975، المعدل والمتمم .
[35]- يراجع، طالب حسن موسى، المرجع السابق، ص. 173..
[36]- يراجع، لزهر بن سعيد، المرجع السابق، ص.154.
[37] -يراجع، نجيب أحمد عبد الله ثابت الجبلي، المرجع السابق، ص ص.254_257؛ لزهر بن السعيد، المرجع السابق، ص.ص175.167.
[41] تنص المادة 1040/2 على ما يلي:" يجب من حيث الشكل، وتحت طائلة البطلان، أن تبرم إتفاقية التحكيم كتابة، أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة'
[42] -المادة 34 من القانون النموذجي للتحكيم، وثيقة الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي1985.
[43]- يراجع، عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص61؛ و انظر ايضا لزهر بن سعيد، المرجع السابق، ص352
[48] - عليوش قربوع كمال، المرجع السابق، ص.61
تعليقات
إرسال تعليق